الحلقة الخامسة
مقتطفات من مجلة تراثنا
مغامرات استكشافية .. بريطانيون ثلاثة في صحراء الربع الخالي !
تراثنا – كتب عرفه عبده علي * :
كلما ازددت شغفاً بـأدب الرحلات ، ازددت قناعة بأن رحالة الغرب كانوا أكثر حرصاً على تلبية نداء الصحراء ، حيث الحياة المطلقة بين الرمال المتعددة الألوان ، والظلال والفضاء الممتد بلا حدود ، التي حركت مخيلات الشعراء والأدباء والرحالة و الفنانين والمغامرين !
في الحلقة الخامسة والأخيرة ، يحقق الرحالة البريطاني ويلفريد ثيسيجر (1910-2003م) حلمه باجتياز الربع الخالي لأول مرة مع رفاقه من البدو ، وفي هذه السطور يخصهم بالحديث مبيناً خصالهم وشيمهم وطباعهم ، ومالهم وما عليهم ، من واقع عشرته لهم طوال الرحلة الصعبة.
-
ثيسيجر عن رفاقه البدو: كنت وحيداً بينهم وكان بامكانهم أن يقتلوني ولكن إيماني بهم كان مطلقاً ولم يمر بخاطري ذلك أبداً .
-
بن كلوت كان رجلاً لافتاً قصير القامة ثقيل الجسم بسبب تقدمه بالسن كثير الدعاء ولا يجادله أحد إذا تحدث .
-
ابن غبيشة أكثرهم كفاءه ،فمال الأخرون إليه واعتمدوا حكمه وكان فارساً وصياداً وذو خلق لطيف ورشيقاً في كل ما يفعله.
-
أما عمير ، فكان متهوراً تميزه عينين قاسيتين ، وروح مادية لا دفء فيها ، ولكني كنت أعلم أنه كفؤ يُعتمد عليه .
رفاق الرحلة .. وموعد مع التاريخ
تحدث ثيسيجر في مواضع كثيرة عن رفاق رحلته من البدو، محمد وابن كبينة وصدر وصالح وعمير وابن غبيشة .. في انطباعات غلفتها لمسات إنسانية رومانسية ، فكتب عن “بن كلوت” : كان بن كلوت رجلاً لافتاً للنظر، قصير القامة ، مملوء البنية ، قوياً ، ثقيل الجسم ، وبسبب تقدمه بالسن ، يتحرك بصعوبة ، وبعد كثير من الأدعية إلى العلي القدير ، كان كثير التأني في كلامه وتحركاته وإيماءاته ، عريض الوجه ، غليظ القسمات ، بارز الأنف ، ثابت العينين ، وكث اللحية ، التي يكسوها الشيب ، وأصلع الرأس تماماً ، كان نادراً ما يتحدث ، ولكني لاحظت أنه عندما يتحدث لا يجادله أحد ، وكان معه ابنه محمد ،وهو أخو سالم بن كبينة من أمه ، وهو شاب ممتليء البنية كوالده ، طيب المعشر .
الأكثرة كفاءة
ومضي ثيسيجر في تدوين انطباعاته عن رفاق الرحلة فكتب عن أن غبيشة : كان ابن غبيشة أكثرهم كفاءة ، فمال الآخرون إليه ، واعتمدوا على حكمه ، كما فعلت أنا ، كان أفضل فارس وأحسن صياد ، رشيقاً دائماً في كل ما يفعله ، كان ذا ابتسامة سريعة ، ذو خلق لطيف ..
متهور ومادي !
أما عمير ، فكان متهوراً ، لم يكن عنده شيء من سحر ابن غبيشة ، تميزه عينين قاسيتين ، وروح مادية لا دفء فيها ، ولكني كنت أعلم أنه كفؤ يُعتمد عليه ، لقد كنت وحيداً في أسفاري بين هؤلاء البدو ، وكان في استطاعتهم أن يقتلوني ويطمرون جسدي في جرف رملي .. ومع هذا، فقد كان إيماني بهم مطلقاً إلى درجة أن فكرة الخيانة أو الغدر لم تمر في خاطري أبداً ..!
احتفلوا بخبزة وقهوة
أخيراً، تحقق ل ” مبارك ابن لندن ” الحلم الذي راوده سنوات طويلة .. غير أن جاذبية الصحراء وسحرها قد سيطرت عليه تماماً ، حتي وهو في بريطانية – وخلال خمس سنوات تالية قام برحلات إلى الربع الخالي ن ولكنه لم يشعر بالنشوة – متعة الاكتشاف ، التي شعر بها عندما اجتاز الربع الخالي لأول مرة ، عندما احتفل ورفاقه ” بنجاحهم بتناول قليل من الخبز واحتساء شيء من القهوة وهم مضطجعون براحة وهناء ” تحت ضوء القمر ، على حين كان ثيسيجر متمدداً بكسل إلى جانب النار يسمع ثرثرة رفاقه حوله بكل هدوء بال ! انتهى .
*كاتب وباحث مصري له مؤلفات وكتب عدة .
المراجع العربية :
1- الاستشراق ، إداوارد سعيد ، تعريب كمال أبو أديب ، مؤسسة الأبحاث العربي ، ط 2 – بيروت 1984م .
2- اكتشاف جزيرة العرب،جاكلين بيرن، ترجمة قدري قلعجي ، دار الكاتب العربي ، بيروت ، 1974م .
3- الربغ الخالي ، عبدالله فيلبي ، تعريب :جسن عبدالعزيز أحمد ، مكتبة العبيكان ، الرياض – ط الأولى 1422 هجري – 2001 م .
4- ويلفريد ثيسيجر ، رمال العرب ، تعريب نجده هاجرة ، إبراهيم عبدالستار ، الوراق للنشر ، بغداد 2007 .
أنقر
نقلا تراثنا العدد 84
تواصل مع تراثنا